مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان

Organization for Human Rights Meezaan

قراءة قانونية في قرار المحكمة البريطانية في قضية الشيخ رائد صلاح

مقالات قانونية

اصدرت محكمة الاستئناف البريطانية قرارا موقعا من قبل نائب رئيس محكمة الهجرة, القاضي أوكيلتون, في الملف الذي يحمل الرقم 21631/2011, وهو ملف استئناف الشيخ رائد صلاح على قرار محكمة البداية بخصوص قرار وزيرة الداخلية تيريزا-مي القاضي بطرد الشيخ رائد صلاح من الاراضي البريطانية ومنعه من دخولها مستقبلا بحجة ان وجوده مضر بالجمهور ولكونه اتهم بالدعوة إلى العنف والى الكراهية واللاسامية.

بداية هذا الملف كانت من خلال عملية اعتقال مفاجئة للشيخ رائد صلاح من فندقه ليلة 28.6.2011 ومن ثم محاولة ترحيله ترحيلا قسريا من الاراضي البريطانية وذلك بعد ان كان الشيخ قد دخل الى بريطانيا باسمه وصفته عبر الحدود ومن دون أي عائق وبدعوة من مؤسسة مرصد الشرق الاوسط اللندنية وقام الشيخ خلال تواجده بالالتقاء بالجالية المسلمة وإعطاء المحاضرات علنا وعلى الملأ بل وكانت قد عينت له جلسة استماع داخل البرلمان البريطاني.

على مدى تسعة أشهر ويزيد وقف الشيخ رائد صلاح وقفة متحدية متصدية لقرار الابعاد ومدافعا وعن المبادئ التي رفعها وصدر القرار بإبعاده بسببها, ليس باسمه بل باسم كل مسلم وفلسطيني في هذه البلاد, وقف الشيخ رائد نابذا عنه صفة التطرف وصفة الدعوة الى الكراهية وصفة الارهاب. لقد كان موقف الشيخ رائد صلاح وكذلك موقف الحركة الاسلامية بقرار تلو القرار ان وجود الشيخ رائد وان القضية التي يتابعها ليست قضية شخصية بل هي دفاع عن المبادئ والأساسيات التي تهاجم وتوضع موضع الشبهة من خلال قرار الوزيرة البريطانية, هي دفاع عن مصطلحات اساس وعن عقيدة ان “القدس ارض محتلة” وان “الاقصى في خطر” وان “المؤسسة الاسرائيلية كيان غاصب يمارس الاحتلال والظلم ضد الشعب الفلسطيني” وان “دماء شعبنا التي تراق ليل نهار هي دماء الشهداء” وان “موقفنا من القدس والمسجد الاقصى لن تتبدل بفعل الخوف او الظلم او القتل”.

هذه هي المصطلحات التي استقيت من خطابات الشيخ رائد صلاح في وادي الجوز في القدس في العام 2007 ومن خطابه في جامعة حيفا في العام 2009 ومن اشعاره ومقالاته.

في قرار مؤلف من 29 صفحة قامت المحكمة البريطانية بفحص الدلائل والقرائن والشبهات ووصلت الى نتيجة نهائية ننقلها على لسان القاضي البريطاني تقول:

“كما بينا في قرارنا فان الادعاءات التي اثارتها وزيرة الداخلية لا تصف أراء الشيخ او اقواله بشكل عام… لا يوجد أي دليل ان الخطر الذي رأته الوزيرة قد لاحظته أي من الدول الاخرى التي زارها الشيخ”.
“لا نجد أي صعوبة في الاستنتاج ان قرار وزيرة الداخلية لم يتناسب مع الحاجة الى الحفاظ على التناسق الاجتماعي او الحاجة الى حماية المملكة المتحدة من الاخطار التي تشير اليها. بل على العكس موقفنا هو انه لم يكن هنالك أي حاجة على الاطلاق لهذا القرار لحماية هذا المصالح. يضاف الى ذلك ان القرار ادى الى تضارب مع حقوق الشيخ الانسانية الأساسية”.
كما تطرق القرار الى ما كان قد عبر عنه مستشار الوزيرة من أن القضية ضد الشيخ “متوازنة” أي معه وضده, وكان ذلك وفق المعلومات التي كانت امام المستشارين قبل اصدار قرار الوزيرة, لكن يؤكد القاضي ان هذه الاستشارة المهنية جاءت بناءً على ترجمة مزورة وغير دقيقة لأقوال الشيخ وقصائده مما يستنتج منه ان القضية اليوم باتت مطلقة لصالحه بناءً على النص الصحيح لهذه الاقوال والقصائد.
يلخص القاضي قراره بالقول:
“نلخص القول انه من الناحية العملية فانه يمنع الاستناد الى هذا القرار في أي عمل او اجراء ضد الشيخ وثانيا فان الحكم يعني ايضا انه لا أساس قانوني لوزيرة الداخلية لتطبيق قرار منع الدخول والذي استند تماما على نفس ادعاءات أمر الابعاد.”
لسنا هنا في صدد تلخيص جميع نواحي القرار لكن مما لا بد من تأكيده ان القاضي البريطاني وبشكل متكرر تطرق الى التضليل الذي تعرضت اليه الوزيرة, في الفصل المعنون في القرار بعناون “القصيدة” يقول القاضي ما يلي:
“تقر المدعى عليها (الوزيرة) ان الشعر لم يبدأ بالاشارة “انتم اليهود” (كما ادعي سابقا) لكنها تعتبر ان مصطلحات “الظالمون” الذين “اغتصبتم ارضنا” “الجراثيم” “القردة” “الخاسرين” لا يمكن قراءتها الا بانها تشير لليهود. السيد شلدون (ممثل الوزيرة) اشار ايضا الى ان القصيدة اعتبرت ضد اليهود من قبل جمعية امان المجتمع (وهي الجمعية الصهيونية التي قامت بتقديم الشكوى ضد الشيخ للوزيرة وطلب منعه من الدخول الى بريطانيا) والتي قامت الوزيرة باستشارتها.

“لا اعلم من اين حصلت الوزيرة على القصيدة التي استندت اليها اذ ان القصيدة الاصلية التي كتبها الشيخ تختلف كليا عن النسخة المغلوطة وليس من المعقول ان نعتبر الشيخ مسؤولا عن اية نتائج تنبع من النسخة المغلوطة. بل اننا لم نجد ان النسخة المغلوطة كانت قد ادت الى أي نشر للكراهية او ادت الى أي عنف في داخل المجتمع.”
وعليه يصل القاضي الى النتيجة:
“نتيجة تحليلنا للأدلة نجد ان الوزيرة تصرفت بناءً على فهم مغلوط للوقائع والاهم انها كانت قد ضللت بما يتعلق بابيات القصيدة التي كتبها الشيخ ولا مجال للجدال في ذلك.”
وبخصوص خطبة واد الجوز نورد قول القاضي الاهم :
“نحن نعتبر, كما هو الحال في القصيدة, ان اللهجة الشديدة في الخطبة موجهة للدولة الاسرائيلية وليس لليهود كيهود. نضيف ان الشيخ يشير في بداية خطبته الى اعتراف الاسلام بموسى وعيسى على انهم أنبياء وبأن اليهود والنصارى والمسلمين كلهم أصحاب كتاب وهو يدعوهم إلى كلمة سواء, وهو يشير الى انشاء الخلافة في القدس وانه عندها ستزهر اشجار اللوز من جديد وان اوراق شجرة الزيتون ستصبح خضراء من جديد. وانه ستعاد الكرامة الى كل المعابد والكنائس وكنيسة القيامة, ويؤكد انهم ليسوا حاقدين وانهم سيحفظون حرمة الكنس اليهودية.”
لقد تبوأت صورة الشيخ الصحافة البريطانية الصفراء قبل وبعد اعتقاله وكان ذلك من باب التحريض عليه من قبل هذه الصحف وخاصة الديلي-ميل والجويش كرونيكال وغيرها من الصحافة الصهيونية المعلومة التحيز وعلى إيقاع هذا الإعلام المغرض رقصت الصحافة العبرية بعناوين بارزة تفصل الشبهات حول الشيخ وتفصل الموقف البريطاني من اعتقال الشيخ ومحاولة إبعاده.
أما اليوم وقد عادت صورة الشيخ ترفرف على صفحات الإعلام البريطاني والعالمي من جديد ولكن هذه المرة تحت عناوين النصر له والهزيمة للشانئين والمعادين له, وبين ليلة وضحاها تغيرت العبارات والمسميات, فهذه صحيفة الديلي – ميل والتي ما فتئت تسمي الشيخ رائد صلاح بنعوت وأسماء منها “داعي الكراهية – Hate Preacher” و”المتطرف – Extremist” وغيرها تخرج علينا غداة القرار بفوز الشيخ بعنوان: “ناشط فلسطيني Palestinian Activist كان قد منع من دخول بريطانيا يربح استئنافا ضد محاولات الحكومة إبعاده”, يا سبحان الله ويا سبحان مغير الأحوال, اهو الاعتراف بالحق أم هو الخوف من دفع الملايين بسبب الدعوى التي بدأها محامو الشيخ لمقاضاة هذه الصحف في المحاكم البريطانية بدعوى التشهير !
أما الصحافة العبرية فكأن على رؤوسها الطير, لا حراك ولا كلام ولا تعليق يوما وليلة إلى أن اضطرت إلى ذلك اضطرارا بعد أن قام كل إعلام العالم بنشر الخبر.
أما الصحافة المحايدة فقد عبرت عن بالغ القلق مما كشفت عنه مجريات هذا الملف وخاصة بما يتعلق بالعلاقة بين وزيرة الداخلية والمؤسسة الصهيونية “مؤسسة أمان المجتمع” فهذا هو الكاتب الصحفي دافيد هيرست في مقال نشرته الغارديان البريطانية بعنوان “تسرع تيريزا-مي بمنع الشيخ رائد صلاح جاء بالندامة في وقت الفسحة” يكتب فيه:
“المصدر الأساس لقرار الوزيرة منع الشيخ رائد بحسب الشهادات في المحكمة كان تقرير مؤسسة امن المجتمع, مرت سنة تقريبا على التهم التي وجهت للشيخ رائد صلاح لدعم قرار الإبعاد, هذه التهم قد ألقيت ورميت اليوم على يد نائب رئيس محكمة الاستئناف. في قراره قال سيادة القاضي أوكيلتون ان تيريزا-مي كانت مضللة وأنها وقعت في عدم فهم بالوقائع وان القضية ضد الشيخ رائد صلاح كانت “ضعيفة جدا” “very weak” وان المواضيع التي أثارتها الوزيرة لم تصف حقيقة مواقف الشيخ رائد وان الخطر الذي رأته الوزيرة لم يشاركها في رؤيته أي دولة أخرى من تلك التي زارها الشيخ ولا حتى إسرائيل التي قدمت لائحة اتهام ضد الشيخ فقط بعد أن أصدرت مي قرارها بالإبعاد.
صحيح أن الشيخ الآن وبعد سنة من الزمان هو حر بالعودة إلى دياره لكن الموضوع لن ينتهي هنا. إن الاستشارة السرية التي قدمتها مؤسسة أمن المجتمع إلى وزيرة الداخلية قد رافقها حملة سامة ومنسقة ضد الشيخ رائد في الإعلام والتي سارعت وبلا تردد بوصفه ب”داعي الكراهية”.
هنالك مواضيع أهم من طريقة معاملة الشيخ رائد في بريطانيا. أولها الطريقة التي اتخذت بها الوزيرة القرار بطرد الشيخ رائد صلاح. أوراق المحكمة تظهر أن ذلك تم بنوع من التسرع. توقيت البريد الالكتروني الذي أرسل واستلم من المكتب الخاص بالوزيرة لا يصف بأي حال من الأحوال هدوءً وترويا ومداولات واضحة وكما يمكن أن نتخيل أنها ترافق إجراءات إبعاد من بريطانيا تجاه شخصية فلسطينية رفيعة المستوى.
ثانيا فان هنالك قضية اعتماد تيريزا-مي بشكل مطلق على مصدر واحد من المعلومات وهو مؤسسة أمن المجتمع الصهيونية وعدم استشارتها أي مجموعة مسلمة أو فلسطينية بخصوص جولة الشيخ رائد في بريطانيا.
الموضوع الثالث يتعلق بالدور في متابعة اللاسامية ذاته, فحتى مؤسسة أمن المجتمع وكما تكتب هي في تقاريرها أن هنالك فرقا بين مصطلح اللاسامية وبين مصطلح اللاصهيونية وبينهما وبين انتقاد أفعال الدولة الإسرائيلية. هذه مصطلحات مختلفة تمام الاختلاف وهنالك خطورة بالغة من الخلط بين الثلاثة.”
وينهي الكاتب مقاله بتوجيه السؤال :
“هل كان من الحكمة حقا السماح بترك المساحة الطبيعية والمقبولة في ملاحقة اللاسامية والانجراف إلى داخل جحر الأفاعي في الصراع العربي الإسرائيلي؟”
على ضوء الهجمة التي يتعرض لها علماء المسلمين في الدول الاوروبية في الاونه الاخيرة من محاولة وضعهم موضع التهمة والادانة ومنعهم من دخول هذه الدول بايعازات من مؤسسات صهيونية واسعة النفوذ فقد كان لهذه التجربة والملحمة القانونية والإعلامية شأن عظيم وقدر الله النصر والفوز والفرحة للمؤمنين والمحبين الصادقين والخذلان للشانئين. صحيح أن المدة قد طالت وان الشقة ربما على البعض قد بعدت لكن ها قد جاءت الثمرة بتوفيق من الله أولا وآخرا وبجهد وعمل وصبر لجنود من محامين وإعلاميين ونشطاء وغيرهم في الداخل الفلسطيني وفي بريطانيا عملوا في الليل والنهار وبدعوات من صالحين في ظهر الغيب والله فعال لما يريد والحمد لله رب العالمين.

 

شارك عبر شبكات التواصل :

اخر الأخبار