مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان

Organization for Human Rights Meezaan

“علامة 96” تؤهلك لرؤية القاضي

مقالات قانونية

“علامة 96 ”  تؤهلك لرؤية القاضي

بقلم: المحامي عمر خمايسي – مؤسسة ميزان لحقوق الانسان

“لا انكر أن الافكار التي يطرحها الكنيست الاسرائيلي ويقننها بقوانين يجب ان تسجل في التاريخ على اسمه كبراءة اختراع في تقنين العنصرية بامتياز وحصريا وحقوق الطبع محفوظة على اسم الكنيست الإسرائيلي.

صادق الكنيست الإسرائيلي عليه قبل اسبوعين بالقراءة الاولى والثانية والثالثة بموجبه يمنح جهاز الامن العام “الشاباك” حق تمديد فترة اعتقال المشتبه به في القضايا الأمنية لمدة اقصاها 96 ساعة دون مثول الشخص المعتقل أمام قاضي محكمة.

واقع أثبت ويثبت لنا مراراً وتكراراً أن ساعات الاعتقال الأولى هي الأهم وهي المصيرية لكثير من المعتقلين خاصة في هذه الساعات الحرجة التي يكون فيها المعتقل تحت ضغط نفسي كبير نتيجة لخوضه معركة شرسة يشنها عليه المحققون بهدف نزع الاعتراف.

موقف المستشار القضائي للحكومة يمثل توجهاً مثيراً وهو الانصياع لإملاءات “الشاباك”، ضارباً بعرض الحائط قانون الأساس وقانون الاجراءات الجنائية والقوانين والمعاهدات الدولية التي تنص على أهم حق للمعتقل وهو مثوله أمام قاضٍ في أسرع وقت ممكن”.

من المضحك حقاً ان المؤسسة الاسرائيلية ما زالت تتغنى انها دولة ديموقراطية، او الاصح الدولة الديموقراطية الوحيدة في واحة الشرق الاوسط! هذه السيمفونية التي ما زالت ترقص عليها المؤسسة الاسرائيلية منذ عشرات السنين في كل محفل محلي ودولي، معززة ذلك بادعاء محافظتها وصونها لحقوق الانسان والحريات، بدليل أن قانونها الأساس يؤكد بشكل واضح الحق في كرامة الانسان وحريته – البند الاول ينص ما يلي: “تقوم حقوق الإنسان الأساسية في إسرائيل على الاعتراف بقيمة الإنسان، قدسية حياته وكونه حراً، وسيتم احترامها بما يتماشى مع المبادئ الواردة في وثيقة الاستقلال لدولة إسرائيل

على ما يبدو فإن لهذه الوثيقة ما لها وما عليها، ولا أنوي هنا مناقشتها ووضع الملاحظات على نصوصها، بل أردت ان أؤكد انها بعيدة كل البعد عن الكرامة والحرية للإنسان إذا تعلق الامر بالفلسطينيين … ففي السنوات الأخيرة سن الكنيست الإسرائيلي عشرات القوانين العنصرية بهدف المساس بحقوق وحريات الفلسطينيين، هذه القوانين التي لن تجد لها مثيلاً في أي نظام لدول العالم حتى الدكتاتورية منها، وبذلك تجاوزت المؤسسة الاسرائيلية بتشريعاتها العنصرية نظام الابرتهايد في جنوب افريقيا.
إنني لا انكر أن الافكار التي يطرحها الكنيست الاسرائيلي ويقننها بقوانين، يجب ان تسجل في التاريخ على اسمه كبراءة اختراع في تقنين العنصرية بامتياز وحصريا وحقوق الطبع محفوظة على اسم الكنيست الإسرائيلي وأعضائها ولهم الحق في رفع دعاوى تعويض ضد كل من تسوّل له نفسه بان ينسخ قوانينهم الفريدة والملطخة بالعنصرية! مما يجعل المؤسسة الاسرائيلية ذات أسس قانونية تعزز واقع الابرتهايد، مع التأكيد ان المحكمة العليا يزعجها المقارنة بنظام الابرتهايد وترفض استعماله او نعت نظام الدولة بهذه المسميات، من منطلق انها تسيء لنظام الدولة ومؤسساتها المختلفة بما فيها المؤسسة القضائية.
إلا انني لم اجد تفسيراً لإقرار تمديد العمل بقانون الإجراءات الجنائية باعتقال مشتبه بمخالفات أمنية “أمر الساعة” الذي سنّ عام 2006 كأمر ساعة مؤقت، حيث صادق الكنيست الإسرائيلي عليه قبل اسبوعين بالقراءة الاولى والثانية والثالثة بموجبه يمنح جهاز الامن العام “الشاباك” حق تمديد فترة اعتقال المشتبه به في القضايا الأمنية لمدة اقصاها 96 ساعة دون مثول الشخص المعتقل أمام قاضي محكمة، وبذلك يُمنح “الشاباك” –جهاز الامن العام– صلاحية إجراء تحقيق مستمر لمدة اربعة أيام وعلى مدار 24 ساعة دون رقيب أو حسيب!!
إن الواقع أثبت ويثبت لنا مراراً وتكراراً أن ساعات الاعتقال الأولى هي الأهم وهي المصيرية لكثير من المعتقلين، خاصة في هذه الساعات الحرجة التي يكون فيها المعتقل تحت ضغط نفسي كبير نتيجة لخوضه معركة شرسة يشنها عليه المحققون مستغلين الضربة الاولى القاضية بهدف نزع الاعتراف، مع التنويه ان الاستشارة القانونية غالبا ما تكون غير متوفرة في الشبهات ذات الصبغة الامنية ويكون منع اللقاء مع محام له الاثر السلبي، إضافة لعدم رؤية الاهل والاقرباء في هذه الفترة، وحتى وان كان يعاني من أمراض لا يعرض فيها على طبيب ليعاينه، ولا يمكن القول ان له حقوق يتمتع بها اكثر من التزامه الحق في الصمت، وعليه من الممكن القول انه كالمخطوف لا يعلم عنه احد شيء، الا بعد مرور 96 ساعة!
وإنني على يقين أن هناك حالات عديدة لمعتقلين في مخالفات أمنية مستعدين للاعتراف بضلوعهم بجرائم لا علاقة لهم فيها خلال مدة تحقيق 48 ساعة متواصلة ولا حاجة لإضافة 48 اخرى !!. مع التأكيد على ان عرض المعتقل المشتبه به بأسرع وقت ممكن منذ لحظة الاعتقال امام قاضي المحكمة ليس هدفه فقط تمديد فترة الاعتقال، انما لأهمية معرفة الشبهات الموجه للمعتقل والتأكد من سير التحقيق حسب الانظمة والقوانين وان المشتبه به لم يتعرض لأذى خلال التحقيق او التعذيب او أي أمر استثنائي كعدم منحه فترة كافية للنوم .
مع أن قانون الاجراءات الجنائية بند 29و30 منح السلطات المختصة في التحقيقات صلاحية التحقيق مع المعتقل حتى 24 ساعة من لحظة اعتقاله قبل عرضه على قاضٍ، وقد أضاف في حالات مستعجلة قد ترى السلطات المختصة أن مثول المعتقل امام قاض يؤدي الى توقف التحقيق ويعود بضرر لإجراءات التحقيقات، الصلاحية بتمديد 24 ساعة اخرى، أي أنه من صلاحية المحققين الاستمرار في التحقيق لفترة 48 ساعة دون مثول المعتقل امام قاض..
وهذا الإقرار الأخير بمنح “الشاباك” صلاحية منع مثول المعتقل امام قاضي المحكمة لمدة تصل الى 96 ساعة تأكيد على توغل جهاز “الشاباك” في كل صغيرة وكبيرة في مؤسسات الدولة حتى التشريعية منها.
“ومما يزيد الطين بلة” أن موقف المستشار القضائي للحكومة يمثل توجهاً مثيراً وهو الانصياع لإملاءات “الشاباك”، ضارباً بعرض الحائط قانون الأساس وقانون الاجراءات الجنائية والقوانين والمعاهدات الدولية التي تنص على أهم حق للمعتقل وهو مثوله أمام قاضٍ في أسرع وقت ممكن، بل إن معظم القوانين المحلية لدول العالم تنص على الحق في المثول على وجه السرعة أمام قاضٍ أو مسؤول قضائي واشترط المشرع، لكي يحمي الحق في الحرية وعدم التعرض للاعتقال أو الاحتجاز تعسفاً، ولكي يمنع انتهاك الحقوق الأساسية للإنسان، أن تنفذ جميع أشكال الاحتجاز أو السجن بأمر من القضاء أو سلطة أخرى مناسبة أو تحت إشراف أي منهما، ومن ثم يجب أن يعرض على وجه السرعة أي شخص، يقبض عليه أو يحتجز، على قاض.
إن المؤسسة الإسرائيلية تتبنى وتتعامل وع واقع أن للشاباك دولة وليس للدولة شاباك، كسائر دول العالم، ومن قال من أعضاء الكنيست اليهود خلال مناقشة اراء التصويت على القانون: “أن هذا القانون يلطخ القانون الاسرائيلي”، فلعلهم لا يعلمون ان قوانينهم ملطخة أصلاً بغض النظر عن إقرار هذا القانون او ذاك.

شارك عبر شبكات التواصل :

اخر الأخبار