ردا ً على التماس تقدمت به مؤسسة ميزان لتوجيه لوائح اتهام ضد القتلة: العليا في سابقة لها تطلب دراسة ملف التحقيق كاملاً حول استشهاد المرحوم زياد الجيلاني المحامي محمد سليمان: “هذه سابقة وقرار غاية في الأهمية نأمل أن يضع حدا لسفك الدم الفلسطيني” قاضي العليا يوبخ ممثلي النيابة العامة لعدم محاسبة أفراد الشرطة على روايتهما الكاذبة
تقرير: عبدالمنعم فؤاد – مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان – الناصرة
طلبت المحكمة الإسرائيلية العليا اليوم الأربعاء من النيابة العامة تسليمها كافة ملفات التحقيق المتعلقة بقتل الشهيد زياد الجيلاني من مدينة القدس، وذلك استجابة لالتماس مؤسسة الميزان لحقوق الإنسان – الناصرة الذي تقدمت به وتم نقاشه اليوم في العليا، مطالبة فيه بتوجيه لوائح اتهام ضد أفراد الشرطة المتورطين بقتل الشهيد الجيلاني.
وكانت العليا ناقشت التماس الميزان اليوم الأربعاء بتشكيلة ثلاثة قضاة وهم القاضية عدنا اربيل –رئيسة الجلسة- وعضوية القاضيين شوهم وعميت، فيما ترافع عن مؤسسة ميزان المحامي محمد سليمان اغبارية وبحضور طاقم المحامين من مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان حسان طباجة وعمر خمايسي وهاشم سعايدة وخالد زبارقة والمحامي المتدرب احمد دهامشة، وبمشاركة العشرات من اهالي الشهيد زياد الجيلاني وعلى رأسهم والدة الشهيد وأرملته وأبناؤه، كما شهدت الجلسة حضور العديد من نشطاء حركات يسارية وعلى رأسها حركة “السلام الآن” تتقدمهم الصحافية “عميرة هاس” من صحيفة هآرتس.
وبعد سماع مرافعات الطرفين بداية بالمحامي محمد سليمان اغبارية ثم سماع ردود محامي النيابة العامة حول أسباب إغلاق ملف التحقيق وعدم تقديم لوائح اتهام ضد أفراد الشرطة المتورطين بالقتل، أقرت القاضية اربيل، أن تدرس المحكمة العليا بكامل هيئتها ملف التحقيق ومعاينته حتى تستطيع الوصول إلى نتيجة ما الذي حدث في قضية استشهاد الشاب المرحوم زياد الجيلاني، وأن يتم تسليم الملف كاملا لهيئة المحكمة حتى موعد أقصاه الرابع والعشرين من الشهر الجاري، وبعد ذلك يتم بناء عليه الخطوات القادمة في الملف.
هذا وخلال مرافعته أكد المحامي محمد سليمان من مؤسسة ميزان على ضرورة أن تأخذ المحكمة العليا دورها في قول كلمة الحق ومحاسبة الضالعين في ارتكاب هذه الجريمة البشعة والتي حرمت أطفالا صغاراً من والدهم مشيراً إلى إبنة الشهيد الجيلاني التي كانت تجلس مع أمها وإخوتها داخل قاعة المحكمة. مؤكدا أن قتلة الشهيد الجيلاني جلسوا يضحكون ويأكلون ويشربون في نفس مكان ارتكاب الجريمة وكأنهم قاموا بعمل بطولي. كما أكد لهيئة المحكمة أنه لو كان الشهيد زياد فعلاً شكل خطرا على أفراد الشرطة فلماذا لم يعتقلوه أو يطلقوا النار عليه في القسم السفلي خاصة أنه سقط على الأرض بعد إصابته وبدلاً من ذلك اقتربوا منه وأطلقوا عليه ثلاث رصاصات فرغوها برأسه لتأكيد وفاته من مسافة نصف متر. هذا علاوة عن أن الرصاص أيضا أصاب طفلة في السابعة من عمرها برأسها كانت في سيارة بالإضافة إلى إصابة 13 سيارة برصاص أفراد قوات الأمن وتضررها من كثرة الرصاص الذي أطلق حينها. كما لفت المحامي اغبارية نظر القضاة إلى قضية التحقيق مع أفراد الشرطة تحت الإنذار ؟! لماذا تم التحقيق معهما تحت الانذار؟! أليس هذا دليلاً أنه كان هناك شيء ما يخافونه ويخفونه ؟!
وقد استجوب القاضي شوهم ممثلة النيابة حول الشهادات الكاذبة التي قدمها الشرطيان المتهمان بقتل المرحوم الشهيد الجيلاني وكيف ولماذا تغيرت الشهادات حول استشهاد الجيلاني ولماذا لم يتم محاسبة أفراد الشرطة على تغيير شهادتيهما خلال التحقيق معهما حول الموضوع في وحدة التحقيق مع أفراد الشرطة (ماحش) مبدياً استياءه من هذا التصرف من قبل النيابة ولماذا امتد الأمر لأسبوعين حتى يتم استدعاءهما للتحقيق معهما حول الموضوع؟! واذا كان هناك خطر فعلاً على أفراد الشرطة لماذا لم يتم إصابته فقط بهدف اعتقاله ؟!
وأعتبر المحامي محمد سليمان إغبارية من مؤسسة الميزان لحقوق الإنسان – الناصرة: “أن هذا قرار يعد الأول من نوعه وسابقة لم يكن له مثيل في السابق أن تطلب المحكمة العليا بكامل هيئتها من ثلاثة قضاة أن تدرس ملف التحقيق ومعاينته للوصول إلى نتيجة حيال قضية الشهيد الجيلاني”.
وأكد المحامي إغبارية “أن هذا القرار مهم وغاية في الأهمية، مع أني أؤكد أن المحكمة العليا لم تكن الباب الذي ينصف الفلسطينيين بالقدس والداخل الفلسطيني أو حتى شعبنا الفلسطيني. ونأمل أن تكون هذه السابقة مفتاح خير لكي لا يكون دم أهلنا رخيصا كما هو معتاد في هذه الحالات”.
وأضاف: “المحكمة العليا قررت أن تأخذ مواد التحقيق من النيابة العامة، وحددت جدولا زمنيا حتى تاريخ 24–3–2013، لاستلام الملف من النيابة العامة ثم دراسته وإصدار قرار أو تعيين جلسة أخرى، ونحن بانتظار القرار الذين سيصلنا من المحكمة العليا بناء على دراسة القضاة للملف”.
وأوضح المحامي إغبارية في لقاء معه قائلا: “اليوم كان نقاش الالتماس الذي تقدمت به مؤسسة ميزان لحقوق الانسان في الناصرة ضد المستشار القضائي الحكومي نطالبه فيه بتقديم لوائح اتهام ضد أفراد الشرطة الذين قاموا بإعدام الشاب زياد الجيلاني من القدس.
وللتذكير كان الشهيد خارجا قبل حوالي عامين من صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، وبطريق عودته إلى البيت تم مهاجمته من قبل أفراد الشرطة بإطلاق نار كثيف نحوه، فأصيب بظهره ووقع على الأرض، ولكن لم يكتفوا بذلك بل قام أحدهم بعد أن وقع أرضا وجريحا بإطلاق ثلاث رصاصات في رأسه وإعدامه بدم بارد”.
وتابع إغبارية: “طالبنا المستشار القضائي للحكومة والنيابة بتقديم لوائح اتهام ضد أفراد الشرطة الذين قاموا بإعدام الشهيد زياد الجيلاني، إلا أن إدعاء الدولة كان أنه لا يمكن إثبات المخالفة الجنائية بالتسبب بالقتل ضد أفراد الشرطة، لذلك هم لا يريدون تقديم لوائح اتهام ضد القتلة”.
حيثيات القضية
يذكر في هذا السياق أن مؤسسة ميزان قدمت التماسها للعليا يوم 1.1.2012 بعد قرار المستشار القانوني للحكومة بعدم تقديم لوائح اتهام ضد أفراد الشرطة الذين قاموا بقتل وإعدام الشهيد المرحوم زياد الجيلاني في القدس، والذي صدر يوم 27.6.2012.
وكانت النيابة العامة ردت جواباً خطياً للالتماس المذكور يوم 20.3.2012 أبلغت فيه المحكمة العليا أن النائب العام للدولة قرر بعد استلام الالتماس القيام بدراسة مجددة حول إمكانية تقديم لوائح اتهام ضد عناصر أفراد الشرطة المتورطين بجريمة قتل الشهيد الجيلاني.
وكان المرحوم زياد محمد الجيلاني قتل يوم الجمعة الموافق 2010/6/11 بعد أدائه صلاة الجمعة وخروجه من المسجد الأقصى المبارك، حيث استقل المرحوم سيارته عائداً أدراجه إلى بيته في شعفاط. إلا انه صادف جنوداً في منطقة وادِ الجوز، وعلى ما يبدو فإن سيارة المرحوم أصابت عدداً من الجنود دون قصد ونتيجة حادث طرق، فقاموا بفتح النار بشكل عشوائي على سيارة المرحوم وإصابة عدد من المارة، الأمر الذي أجبر المرحوم الهرب إلى حي”حوش الهدمي”القريب، وحين ترجل من السيارة استمر أفراد الشرطة بإطلاق النار المباشر على المرحوم وإصابته بعدة طلقات في ظهره، حتى وقع مصاباً على الأرض.وبالرغم من تأكد أفراد الشرطة أن المرحوم مصاب وينزف دماً ولا يشكل أي خطر يذكر، قرر أفراد الشرطة إعدام المرحوم بدمٍ بارد وقاموا بإطلاق عدة رصاصات أخرى من مسافة قريبة جداً على رأس المرحوم بقصدٍ واحدٍ هو تأكيد موته.
وبعد الحادث مباشرة قام طاقم محامي مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان – الناصرة، بمواكبة الملف وجمع الأدلة المختلفة والشهادات الحيّة وتقديمها إلى قسم التحقيق مع أفراد الشرطة. وحصل طاقم المحامين وبعد أسبوعين على استشهاد المرحوم وتحديدا يوم 22.6.2010على الموافقة على استخراج الجثة وعرضها على طبيب جنائي من قبل محكمة الصلح في القدس، وقد تم ذلك فعلا بعد يومين من قرار الصلح باستخراج الجثة، وتم إخراجها ليلة الخميس الموافق 24.10.2010 بعد موافقة لجنة رعاية شؤون المقابر الإسلامية في القدس والحصول على فتوى شرعية من دار الإفتاء في القدس ومفتي القدس الشيخ محمد حسين تجيز استخراج الجثة للتشريح من أجل الوصول للحقيقة وإثبات جريمة إعدام المرحوم وقتله بدم بارد، مع أنه كان جريحا وعاجزا عن أي مقاومة ولم يشكل أي خطر على الجنود أو على غيرهم. وقد تم استخراج جثمان المرحوم في حينه من مقبرة الرحمة المجاورة للمسجد الأقصى المبارك، وسط حضور مكثف لرجال الشرطة وطاقم ميزان وعائلة الشهيد و د.صابر العالول -مدير معهد الطب الجنائي في أبو ديس- والطبيب العدلي نائب مدير معهد التشريح في أبو كبير، وطبيب من طرف وزارة الصحة الإسرائيلية، ومندوبين عن أوقاف القدس، ورئيس دائرة التحقيق مع الشرطة (ماحش) وعدد من المحققين من طرف وزارة القضاء الإسرائيلية. ثم نقل جثمان الشهيد لمعهد أبو كبير للطب العدلي، حيث حضر التشريح بطلب من ميزان وعائلة الشهيد د.صابر العالول.
إلا أن الملف ضد أفراد الشرطة أغلق في حينه بادعاء عدم كفاية الأدلة، كما رفض كذلك الاستئناف على قرار إغلاق الملف، الأمر الذي استدعى تقديم التماس للمحكمة العليا الإسرائيلية وتقديم كل الأدلة الدامغة التي تشير وتؤكد أن ما قام به أفراد الشرطة هو قتل مع سبق الإصرار، حيث كان المرحوم مصاباً ولا يشكل أي خطر حين تم اعدامه.
وطالبت مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان في التماسها من المحكمة العليا تقديم أفراد الشرطة الذين قتلوا المرحوم بدم بارد إلى المحاكمة الجنائية ومعاقبتهم وفق القانون.


