مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان

Organization for Human Rights Meezaan

الحرب هي الخدعة والمكيدة

مقالات قانونية

المحامي زياد بشناق عرابي (عضو مؤسسة ميزان ومختص في قضايا العائلة والمحاكم الشرعية)

“الحرب هي الخدعة والمكيدة”!! هل تنطبق هذه المقولة على المرافعات بين الزملاء المحامين والمرافعين الشرعيين أمام محاكمنا الشرعية على وجه الخصوص؟؟ وما هو دور المحامي والمرافع الشرعي في القضايا الشرعية؟؟ وهل المحامي يكون خصما حقيقيا في القضايا العالقة بين الأزواج أمام المحاكم الشرعية؟؟

أسئلة عديدة استوقفتني، من خلال ما لمسته وألمسه من بعض الوكلاء في العديد من القضايا والمرافعات التي ترافعت فيها أمام محاكمنا الشرعية على اختلاف درجاتها.

إن المحامي والمرافع الشرعي هو ذراع من أذرع العدالة وسلوكه يجب أن يكون مقيدا بآداب المهنة والقانون وخاصة أننا في المحاكم الشرعية نتعامل مع بشر وأناس ومع حقوق منها ما هو لله ومنها ما هو للعباد.

ليس غريبا ولا يخفى على أحد منا أن بعض الزملاء حين يترافع أمام المحكمة الشرعية يكون جُلّ همه “أن يربح القضية والملف” كما يقال؛ ولذا تراه يسلك مسالك غريبة في ادعاءاته ودفاعته القضائية قد تصل إلى حد الافتراء والتلفيق أحيانا، فهل هذا “تكتيك” وهل هذا هو دور المحامي؟

ليعلم الجميع أنه في قضايا الأحوال الشخصية المنظورة أمام محاكمنا الشرعية ليس فيها رابح أو خاسر، فالأمور لا تقاس بالمعيار المادي وإنما باعتقادي الكل فيها خسران، والخسارة الكبرى هي تمزق الأسرة وتشتت أفرادها وضياعهم وخاصة ضياع الأولاد وفقدان الاستقرار والأمن والأمان وهذا ينعكس سلبا أيضا على أمن المجتمع واستقراره ويؤدي إلى حالات من العنف المتنوعة التي نراها اليوم في مجتمعنا. وليس هكذا تدار الملفات أمام المحاكم الشرعية وخاصة أن كل هذه الملفات فيها حق لله وحق للعباد.

باعتقادي أنه من واجبنا كمحامين ألا نجعل من الملف أو القضية “معركة” هذا يحرض ضد هذا وهذا يؤلب على هذا، وهذا يؤجج النفوس ويحيك المكائد للطرف الآخر وهذا يعمل على إيقاع الطرف الآخر في “الفخ”، بل يصل بالبعض الافتراء وجلب شهود زور لكسب الملف، فنحن لسنا في حرب وليس هكذا تدار الأمور، وهذا ليس تكتيكا، وإنما هذا الصنيع هو تدمير للأسرة والمجتمع على حد سواء ويغضب الله ورسوله.

ومن واجبنا كمحامين وكوكلاء أيضا أن نبين لموكلينا رجالا أم نساءً ما لهم وما عليهم وفقا لشرعنا الحنيف وأن نعمل جاهدين على تقليص الفجوات بينهم وأن نعمل على فض الخصومات بالتراضي والصلح في حال تعذر الإصلاح الحقيقي بين الأزواج، فهذا واجبنا الديني أولا والأخلاقي والمهني ثانيا.

ليس من واجبنا تحريض طرف على طرف وليس من واجبنا كيد المكائد وليست وظيفتنا المهنية والأخلاقية الانتقام من الطرف الآخر أو تركيعه أو “كسر يده ولي عنقه” كما نسمع كثيرا، وإنما وظيفتنا المهنية الأولى تحصيل الحقوق للعباد وبيان ما لهم وما عليهم، فدور المحامي منوط بأخلاقيات يحكمها الشرع والقانون وآداب المهنة ولا يجوز بأي حال من الأحوال تجاوز أي منها.

نعم صحيح أن الوكيل كالأصيل بمعنى أن المحامي ينوب عن موكله في المحاكم، ولكن لا يجوز بأي حال أن يضع نفسه موضع الخصم أو أن يحاول التدليس وتضليل المحكمة، بل عليه أن يعمل لما فيه مصلحة موكله بما يرضي الله ولا يخالف شرعنا الحنيف وربما مصلحته أن تُبين ما له وما عليه لإبراء ذمته من بعض الحقوق التي سيسأل عنها أمام الله مثل المهر.

لكل منا دوره في اصلاح أو هدم العلاقة بين الأزواج وكل من موقعه “فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.

اعلم أيها الزميل الفاضل محاميا كنت أم مرافعا شرعيا، بأنك مسؤول أمام الله أولا وأمام الناس ثانيا وأمام القانون ثالثا وأن دورك منوط بالحفاظ على مصالح العباد ودفع الضرر عنهم، فلا تجعل بعض الدراهم التي ستتقاضاها تعمي بصرك وبصيرتك وتجعلك تسلك مسلكا لا يليق بالمهنة وآدابها وأخلاقيات التعامل مع زملائك وتتنافي مع مقاصد شرعنا الحنيف في درء المفاسد وحفظ الأنفس من الضياع والهلاك.

وإياك أن تكون معول هدم يهدم الأسرة ويقوض أركانها ويشتت أفرادها، بل اجتهد في أن تعمل على اصلاح ذات البين من باب “والصلح خير” أو فض الخصومة صلحا من باب “امساك بمعروف او تسريح بإحسان” ومن باب “أعطي كل ذي حق حقه”، واجتهد أن تحفظ أسرار الزوجين وعدم افشائها بين الناس لان هذا يتنافى مع شرعنا الحنيف وقد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه لأن الله ستير وأمرنا بالستر.

وأخيرا تعاونوا على البر والتقوى لما فيه خير لنا ولمجتمعنا ولصلاح أسرنا وبيوتنا، فالمحامي يحمل أمانة ثقيلة ورسالة عظيمة عليه أدائها على أحسن حال وفقا لضوابط شرعنا الحنيف.

 

شارك عبر شبكات التواصل :