قامت بعض الدول على رأسها الولايات المتحدة بابتكار مصطلح “الحرب على الإرهاب” وسعت بشتى الوسائل الممكنة، سواء حملات عسكرية او اقتصادية او إعلامية او تشريعية، بهدف معلن وهو القضاء على الإرهاب والدول التي تدعم الإرهاب. وقد بدأت هذه الحملة عقب أحداث 11 أيلول 2001 وأصبحت هذه الحملة محوراً مركزياً في سياسات الولايات المتحدة الامريكية وحليفاتها، حيث شكلت هذه الحرب انعطافة وصفها العديد بالخطيرة وغير مسبوقة في التاريخ لكونها حرباً غير واضحة المعالم وتختلف عن الحروب التقليدية بكونها متعددة الأبعاد والأهداف.
مشروع قانون مكافحة “الإرهاب” 2011 في اسرائيل
اقرّ الكنيست الاسرائيلي بالقراءة الاولى، مشروع قانون الارهاب 2011 والذي استغرق اعداده سنوات طويلة ليلائم ويتكيف مع مكافحة ما تعده إسرائيل “إرهابا” فلسطينيا او دعما للقضية الفلسطينية بأبعادها المختلفة.
إن مشروع القانون يهدف لإلغاء أوامر منع الارهاب 1948 وقانون منع تمويل الارهاب 2005 وقانون الاجراءات الجنائية – اعتقال المشتبه بهم بمخالفات أمنية اوامر الساعة 2006، واستبدال وتعديل بعض بنود أنظمة الطوارئ منذ الانتداب الانجليزي للعام 1945 وقانون صلاحيات أمر الساعة اعتقالات 1979 وقانون جهاز الامن العام – الشاباك 2002 وغيرها من القوانين، حيث يجمع الحقوقيون والمحامون انها قوانين تحمل العديد من الاشكاليات القانونية والدستورية وفيها صبغة استبدادية تتنافى مع مبدأ حقوق الانسان والحريات، وعليه، يتطرق مشروع القانون الجديد للتعريف بمخالفات الارهاب سواء المنظمات او الافراد، وإجراءات المحاكمات، وفترات التوقيف وعقوبة السجن، والأوامر الادارية من اعتقال اداري ومصادرة وتفتيش وفرض قيود فردية او جماعية وسبل اجراءات التحقيق وصلاحيات الشاباك ودوره في تنفيذ القانون، ومصادرة الأملاك المرتبطة بـ”الإرهاب” والاعلان عنها كمنظمات ارهابية.
إن ربط ما يقوم به الفلسطينيون من أعمال ونشاطات بغرض التحرر وإزالة الاحتلال بقانون الإرهاب، محاولة لتشويه نضال الشعب الفلسطيني ولسحب التأييد والتضامن الدولي المتنامي مع الشعب الفلسطيني. ويفسح المجال للمس بالناشطين سياسياً، وتحديداً بأشخاص تخرج آراؤهم أو نشاطهم السياسي عن الإجماع الإسرائيلي، مما يمس بالتالي بالسجال السياسي الحر وبحرية النشاط والفعاليات الداعمة للمواقف السياسية. والذي من شأنه الإضرار بمؤيدي وداعمي أبناء الشعب الفلسطيني، سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة أو الداخل الفلسطيني، وذلك لاستهداف القانون الحياة العامة والحركات والكتل السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وكل العاملين من أجل القضية الفلسطينية كما ذكرنا اعلاه.
الخطر الكامن في مشروع القانون الجديد التعريف الواسع والفضفاض لعدد من المصطلحات، مثل “منظمة إرهابية” و “عضو في منظمة إرهابية”، و”عمل إرهابي”، حيث إن الضبابية التي تلفّ هذه التعريفات تخلق عدم يقين في شأن تفسيرها وتطبيقها على أرض الواقع. مثالاً عينياً، أنه بموجب البند الثاني لمشروع القانون، فإن “عضو المنظمة الإرهابية هو أيضاً كل من أبدى موافقته للانضمام إلى منظمة إرهابية”، ما يتيح للجهات الأمنية حرية الاشتباه بمن تشاء، مما يمس بحرية التعبير.
إن ثمة فرقاً شاسعاً بين قول إنسان عادي إنه يريد الانضمام إلى منظمة إرهابية وبين الانضمام الفعلي لمنظمة كهذه، على أساس أنه قد يكون قالها تحت ظرف اجتماعي او سياسي خاص أو تحت التهديد. وأن تجريم شخص لمجرد أنه بلغ مسامع جهاز المخابرات أنه ينوي الانضمام إلى تنظيم إرهابي هو أمر خطير، خصوصاً أنه لن يتاح له الدفاع عن نفسه. ونشير إلى بند آخر يقضي بفرض السجن لثلاث سنوات على من يقوم بأعمال تنضوي على تماثل مع تنظيم إرهابي، سواء عبر مديح للتنظيم أو رفع علمه أو نشر شعاره أو أي من شعاراته أو نشيده الوطني او مخالفة عدم التبليغ عن استعمال املاك منظمة ارهابية، مع التنويه ان هذه المخالفات موجودة في قانون العقوبات الاسرائيلي، الا انها تتحول الآن لتنضوي تحت عباءة قانون مكافحة الارهاب!!.
كما أن المخالفات التي كانت تنضوي تحت قانون العقوبات ستصبح مخالفات تحت قانون مكافحة الارهاب، وبالتالي يترتب على الادانة اجراءات مختلفة يكفي منها أن يصبح المدان ارهابياً في نظر القانون مما يسهل إجراءات اخرى بحقه كفرد او جماعة ناهيك عن تشديد العقوبة.
ومن ابرز التغييرات في مشروع القانون المقترح:
1. مشروع القانون المقترح يسمح بتوقيف المشتبه بهم بارتكاب “اعمال ارهابية” لمدة 96 ساعة قبل عرضهم على القاضي، أي ان التحقيق معهم لمدة اربعة ايام متواصلة دون معرفة أي شيء عن المشتبه بهم ودون أية رقابة من قبل الأجهزة القضائية وتكون الصلاحيات بأيدي جهاز الأمن العام الشاباك.
2. المشتبه بهم بارتكاب “أعمال ارهابية” يمكن أن تمتد فترات اعتقالهم لـ 35 يوماً دون حاجة لموافقة المستشار القضائي للحكومة، وكل فترة اعتقال بعد ذلك بحاجة لموافقة المستشار القضائي للحكومة. (حاليا 30 يوما)
3. كما ويسمح القانون بعقد جلسات تمديد اعتقال للمشتبه به دون مثوله أمام المحكمة. (حاليا بأمر الساعة)
4. كما ويمنع لقاء محامي دفاع لفترة تصل الى 30 يوما، بموافقة المستشار القضائي للحكومة. (حاليا 21 يوما)
5. منع التقاء محامي دفاع مع اكثر من مشتبه به في ذات الشبهات، كما ويمنع الالتقاء مع محام آخر من نفس مكتب المحاماة. (اضافة جديدة)
6. الاعتقال الإداري – القانون يؤكد على تشريعه والسماح به وإعطاء وزير الدفاع الإسرائيلي صلاحيات تمكنه من فرض حظر على حركة الأشخاص المشتبه بهم، بحيث تمنعهم من التحرك من مكان لآخر او السفر خارج البلاد لفترة طويلة قد تمتد لمدة عام، ويخول القانون شرطة وجيش الاحتلال الإسرائيلي تفتيش الأفراد والممتلكات واتخاذ أية إجراءات لتنفيذ تلك الخطوات.
7. إن عقوبة من تتم إدانتهم بارتكاب أعمال إرهابية سيمضون عقوبة حدها الأدنى 40 عاماً.
8. لا تسقط مخالفات الاعمال الارهابية بالتقادم كما هو منصوص عليه في قانون العقوبات بخصوص تصنيفات المخالفات. (اضافة جديدة).
9. قبول افادة شاهد او مقولة لشخص غير معرف كشاهد في المحكمة. (اضافة جديدة).
10. منح ضابط منطقة في الشرطة صلاحية منع او وضع قيود لفعاليات ونشاطات يشتبه انها تخدم منظمة ارهابية.
11. يتيح القانون أساليب استبدادية إضافية يمكن استخدامها في التحقيق مع مشتبهين «بمخالفات أمنية»، إذ يسمح باستخدام واسع لأدلة سرية في المحكمة يحول دون إمكان وصول المعتقلين للجهاز القضائي، ويضعف مطلب محامي الدفاع بكشف الأدلة، ما يصعّب على المشتبه به الدفاع عن نفسه والرد على التهم الموجهة إليه خلال الإجراءات القضائية أو عند اعتبار منظمة معينة إرهابية أو إجراءات بمصادرة أملاك المشتبه به.
12. صلاحيات واسعة للشاباك في أوامر التفتيش وخصوصاً اختراق الحواسيب والحصول على المعلومات التي بداخله بسرية تامة، بعضها بحاجة لموافقة رئيس الحكومة فقط دون علم او دراية للمستشار القضائي للحكومة او أية جهة قضائية!!.
13. الاعلان عن منظمات وجمعيات محظورة وخارجة عن القانون بمجرد انها تتماثل مع اهداف جمعيات معلنة انها محظورة والتي تسمى حسب القانون “جمعيات الغلاف”، وتعريفها الفضفاض يفسح المجال للإعلان عمّن يدعم اهداف قانونية وشرعية بالارهابي.
الخلاصة:
اقتراح قانون “مكافحة الارهاب” بصيغته المقرة بالقراءة الاولى، يعني تقنين الاستبداد، فكل من لا ترغب به الدولة سيكون حتما “إرهابياً” عملاً بالقانون، لذلك نجد أن مشروع قانون مكافحة “الارهاب” يحدد أنظمة وأوامر قانونية فضفاضة، مما يؤدي لتوسيع الدائرة الجنائية بصورة غير منطقية وغير معقولة والتي من الممكن أن تحول الأفراد والمنظمات والجمعيات غير المرغوب فيهم لأشخاص او جمعيات او منظمات “ارهابية”.
كما ويمنح القانون السلطات المختصة صلاحيات واسعة، تمكنها من اتخاذ اجراءات صارمة وشديدة بحق الافراد والتنظيمات دون رقابة قضائية حقيقية، وذلك على أساس شبهات فقط دون الحفاظ على الحد الادنى للدفاع عن الحقوق، مما يتيح لمؤسسات الدولة التدخل في الخطاب السياسي وحرية القيام بتنظيمات والتكتلات للأفراد، والأهم أن اقتراح القانون يحاول أن يشرع الاستعمال الباطل أصلاً للاعتقال الاداري وأوامر التقييدات الاخرى، وتحويلها لقانون عادي مثل باقي القوانين وليست كأنظمة طوارئ مؤقت.